QNB

الصين تمكنت من تحويل نظامها الإنتاجي إلى الأنشطة ذات القيمة العالية

نشر يوم : Thu, 20 Nov 2025

مع إكمال الصين لخطتها الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025) ومرور عقد على إطلاق استراتيجيتها الصناعية الرائدة التي حملت اسم "صنع في الصين 2025"، ينبغي إلقاء نظرة فاحصة على أبرز ما تم إنجازه حتى الآن. فبعد عشر سنوات من إعلان بكين لأول مرة عن طموحها للانتقال من كونها "مصنع العالم" إلى "دولة رائدة عالمياً في مجال التصنيع المتقدم"، يبدو أن تحقيق أهداف الخطة والاستراتيجية يسير على قدم وساق.
تم تصميم الخطة الخمسية الرابعة عشرة واستراتيجية "صنع في الصين 2025" للارتقاء بمؤشرات الأداء الرئيسية الاقتصادية للصين إلى ما يسميه صانعو السياسات الآن "مجالات إنتاج جديدة ذات جودة"، وتؤكد هذه العبارة تحول التركيز من الكمية إلى النوعية، ومن التوسع المدفوع بالمدخلات إلى الكفاءة المدفوعة بالتكنولوجيا. وقد ركز هذا التغيير على عشرة قطاعات ذات أولوية ستؤدي الريادة التقنية فيها إلى تعزيز القدرة التنافسية المستقبلية، وهي تشمل الروبوتات، والطيران والفضاء، والهندسة البحرية، ومعدات النقل بالسكك الحديدية المتقدمة، وتكنولوجيا المعلومات من الجيل الجديد، والسيارات الكهربائية، والمواد المتقدمة، والطب الحيوي، ومعدات الطاقة، والمعدات الزراعية.
وتشير الأدلة إلى أن الاستراتيجية تؤتي ثمارها. وفقاً لمؤشر تتبع التكنولوجيا الهامة الخاص بمعهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي (ASPI)، شهد أداء الصين في المجالات التكنولوجية الاستراتيجية تحولاً جذرياً بمرور الوقت. ففي حين كانت الصين متصدرة في 3 فقط من أصل 64 تقنية هامة في عام 2007، قفز الرقم إلى 57 من أصل 64 في عام 2023، لتتجاوز الصين الاقتصادات المتقدمة الأخرى في سباق البحث والتطوير للتطبيقات الاستراتيجية للتكنولوجيا في المجالات الرئيسية.
يمكن ملاحظة هذا الأداء الاستثنائي بوضوح في قطاعات رئيسية، مثل الروبوتات والسيارات الكهربائية والطاقة الخضراء.
ربما تكون الروبوتات أوضح مثال على الريادة الصينية في مجال التكنولوجيا. وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات، تم تركيب أكثر من 290,000 روبوت صناعي في الصين في عام 2024، وهو ما يمثل أكثر من نصف عمليات نشر هذا النوع من الروبوتات عالمياً. يمكن تعريف هذه الروبوتات بأنها عبارة عن "آلية مبرمجة تعمل بدرجة من الاستقلالية للتحرك أو المناورة أو تحديد المواقع"، بمعنى أنها تحتاج إلى اتباع تعليمات من نظام تحكم، ولديها أجهزة مادية للتحرك أو بذل الجهد وأداء المهام بمستويات محددة من الاستقلالية عن التحكم البشري المستمر. ويتجاوز عدد هذه الروبوتات المثبتة حالياً في الصين مليوني وحدة، وهو الأكبر على مستوى العالم بفارق كبير. وحتى من حيث كثافة الروبوتات، تحتل الصين مركز الصدارة بواقع 470 روبوتاً لكل 10,000 موظف تصنيع، بعد أن تجاوزت مؤخراً قوى صناعية أخرى، مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة. وتشير هذه الموجة من الأتمتة إلى تحول المشهد الصناعي في الصين من التجميع كثيف الاعتماد على العمالة إلى الإنتاج الذكي القائم على البيانات. وهذا يجعل الصين واحدة من الدول الرائدة في العالم في مجال الأتمتة بعد كوريا الجنوبية وسنغافورة.
QNB وقد حدثت قفزة مماثلة في قطاعات استراتيجية أخرى. أنتجت الصين حوالي 12.4 مليون سيارة كهربائية في عام 2024، أي ما يزيد عن 70% من الإنتاج العالمي، وبلغت حصة مُصنعي البطاريات الصينيين مجتمعة 56% من الطاقة الإنتاجية العالمية. وفي مجال الطاقة الشمسية، تهيمن الصين على أكثر من 80% من قدرات التصنيع العالمية عبر سلسلة القيمة بأكملها، من البولي سيليكون إلى الوحدات الجاهزة.
ويبدو التحول الأخضر في الصين أكثر وضوحاً عند النظر إليه من منظور الطاقة. ففي عام 2024، ارتفع توليد الطاقة النظيفة (الطاقة المائية، والطاقة النووية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية) بنحو 16% على أساس سنوي. وتُقدر وكالة الطاقة الدولية أن الصين ساهمت بما يقرب من نصف إجمالي القدرة الإنتاجية الجديدة للطاقة المتجددة المضافة عالمياً في ذلك العام. وفي مجال الطاقة الشمسية، قامت الصين في عام 2024 بتوليد طاقة كهروضوئية أكثر من بقية دول العالم مجتمعة، وتُعادل منشآتها لطاقة الرياح إجمالي الطاقة الإنتاجية التراكمية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تؤكد هذه الأرقام أن عملية إزالة الكربون في الصين ليست نتيجة ثانوية لتباطؤ النمو، بل هي مشروع صناعي مدروس: إنتاج المزيد من الطاقة، من مصادر نظيفة، بكفاءة وحجم لا مثيل لهما عالمياً.
ما يجعل هذا التحول مميزاً هو درجة الترابط بين التصنيع والطاقة والتكنولوجيا. فالتوجه نحو التصنيع المتقدم يغذي التحول الأخضر من خلال المواد الجديدة والبطاريات وتكنولوجيا الشبكات، بينما يقلل التوسع في الطاقة النظيفة من قاعدة التكلفة لتحقيق مزيد من التطوير الصناعي. وتتجلى أوجه التآزر الآن في بيانات التصدير، حيث أصبحت الصناعات "الثلاث الجديدة" (السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والألواح الشمسية) مجتمعة واحدة من أكبر فئات التصدير في الصين، على نحو ينافس صادرات الأجهزة الإلكترونية التقليدية.
بشكل عام، يشير التحول من "الكمية" إلى "النوعية" ومن تصدير السلع الاستهلاكية البسيطة إلى تصدير أنظمة الإنتاج إلى أن الصين نجحت في الانتقال إلى الطرف العلوي من سلاسل التوريد العالمية. وعلى مدار الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تكتسب المناقشات حول الخطة الخمسية الجديدة ودورة السياسة الصناعية زخماً إضافياً، حيث سيتم التركيز على القطاعات الرئيسية، مع التأكيد على أهمية الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. 
 

يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير   عربي  و     English